تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 271 ـ 285
(271)
    وقال أبو يوسف : بدن الحائض والجنب نجس (1).
    الثامن : يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاه بالإجماع ، وقالت عائشة : كنا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (2).
    ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الحائض : « ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان » (3) ولأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.
    التاسع : يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عندالشيخ (4) ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الجمهور (5) ـ لقوله عليه السلام : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ) (6) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.
    وسجود الصلاة ليس كسجود التلاوة ، سلّمنا ، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها ، والفرق بينه وبين سجود السهو كون المأتي جزء‌اً من الصلاة إنّ سلّمنا الحكم فيه.
سنن النسائي 1 : 146 و 192 ، سنن الترمذي 1 : 241 ـ 242 / 134 ، سنن الدارمي 1 : 248 ، مسند أحمد 2 : 70 ، سنن البيهقي ـ 1 : 189 ، معرفة السنن والآثار 1 : 441.
1 ـ شرح العناية 1 : 94 ـ 95 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 246 ، الشرح الكبير 1 : 262.
2 ـ صحيح مسلم 1 : 265 / 69 ، سنن ابي داود : 68 / 262 و 69 / 263 ، سنن الترمذي 1 : 234 / 130.
3 ـ الكافي 3 : 104 / 3 ، التهذيب 1 : 160 / 459.
4 ـ النهاية : 25.
5 ـ المجموع 2 : 367 ، مغني المحتاج 1 : 217 ، المبسوط للسرخسي 2 : 132 ، شرح فتح القدير 1 : 468 ، المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.
6 ـ صحيح مسلم 1 : 204 / 224 ، سنن النسائي 1 : 87 ـ 88 ، سنن ابن ماجة 1 : 100 / 271 ـ274 ، سنن الدارمي 1 : 175 ، مسند أحمد 2 : 20 و 51 و 73.


(272)
    وقال بعض علمائنا بجوازه (1) وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر بالسجود ، واشتراط الطهارة ينافيه ، ولقول الصادق عليه السلام : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إنّ شئت سجدت وإن شئت لم تسجد » (2).
    اذا ثبت هذا فإن السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت ، إذ جوازه يستلزم وجوبه ، أما السامع ففي الايجاب عليه نظر ، أقربه العدم ، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال : « لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراء‌ته مستمعاً » (3) ومراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود ، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.
    وهل يمنع منه الحائض والجنب ؟ روايتان : المنع اختاره في النهاية (4) ، لأنّ أبا عبد الله عليه السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد السجدة ، إذا سمعت السجدة ؟ فقال : « تقرأ ولا تسجد » (5) ، والجوازاختاره في المبسوط (6) لما تقدم في الرواية (7).
    وقال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة : تومئ برأسها ، وبه قال سعيد بن المسيب (8) ، وعن الشعبي : يسجد حيث كان وجهه (9).
1 ـ هو المحقق في المعتبر : 60.
2 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.
3 ـ الكافي 3 : 318 / 3 ، التهذيب 2 : 291 / 1169.
4 ـ النهاية : 25.
5 ـ التهذيب 2 : 292 / 1172 ، الاستبصار 1 : 320 / 1193.
6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 114.
7 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.
8 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.
9 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.


(273)
    تذنيب : لو سمع السجود وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء ولا التيمم ـ وبه قال أحمد (1) ـ لأنّا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطاً.
    واحتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد ، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.
    وقال النخعي : يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي (2).
    قال أحمد : فإذا توضأ لم يسجد لأنّه فات سببها (3).
    ولا يتيمم لها مع وجود الماء ، لأنّ شرطه فقدان الماء ، وإن كان عادماً للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل ، لأنّه لم يفت سببها ولم يفت محلهابخلاف الوضوء.
    العاشر : يكره لها الخضاب ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادق عليه السلام : « لا تختضب الحائض ولا الجنب » (4) ، وليس للتحريم ، لأنّ أبا إبراهيم عليه السلام سئل تختضب المرأة وهي طامث ؟ فقال : نعم (5).
    ولا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض ، بأن تختضب قبل عادتها.

    مسألة 85 : إذا حاضت بعد دخول الوقت وأهملت الصلاة مع القدرة
1 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.
2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 4 ، المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.
3 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 814.
4 ـ التهذيب 1 : 182 / 521 ، الاستبصار 1 : 116 / 388.
5 ـ الكافي 3 : 109 / 2 ، التهذيب 1 : 182 / 523.


(274)
واتساع الوقت لها وللطهارة وجب عليها القضاء ، وإن كان قبل ذلك لم يجب.
    وإن طهرت في أثناء الوقت ، فإن بقي مقدار الطهارة وأداء ركعة وجب الأداء ، فإن لم تفعل وجب القضاء ، وإن كان أقل لم يجب بل يستحب ، وسيأتي البحث في ذلك إنّ شاء الله تعالى.

    مسألة 86 : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر ، ويكفي الارتماس ، نعم لا بدّ فيه من الوضوء ، سئل الصادق عليه السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة ؟ قال : « نعم » (1).
    ويجب فيه النيّة لأنّه عبادة فيفتقر فيه إلى النيّة واستدامة حكمها ، ولاتجب الموالاة ، بل الترتيب.
    ويجب استيعاب الجسد بما يسمى غسلاً ، لقول الباقر عليه السلام : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه » (2) ويستحب فيه المضمضة والاستنشاق.

فروع :
    أ ـ لا تجب نيّة السبب ، بل تكفي نيّة رفع الحدث أو الاستباحة ، ولا فرق بين أن تقدم الوضوء أو تؤخره ، خلافاً لبعض علمائنا ، حيث أوجب نيّة الاستباحة في المتأخر (3).
    ب ـ لو اجتمع الحيض والجنابة لم يجز لها الغُسل إلّا بعد انقطاع دم
1 ـ التهذيب 1 : 106 / 274 ، الاستبصار 1 : 98 / 317.
2 ـ الكافي 3 : 82 / 4 ، التهذيب 1 : 400 / 1249 ، الاستبصار 1 : 148 / 508.
3 ـ هو ابن ادريس في السرائر : 29.


(275)
الحيض ، لا للجنابة ولا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان ، وإن نوت رفع حدث الحيض ، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضاً ، لتسويغ الصلاة عندهما ، وعدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه ، وإن نوت رفع الحدث مطلقاًً فالأقرب الاجزأ من غير وضوء.
    ج ـ عرق الحائض طاهر إذا لم يُلاق النجاسة ، وكذا المائعات التي تباشرها ، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء ؟ فقال : « كان نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله تسكب عليه الماء وهي حائض » (1). وسئل الصادق عليه السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها ؟ فقال : « نعم لا بأس به » (2).

    مسألة 87 : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في عادتها بإجماع العلماء فإن المعتاد كالمتيقن ، وسئل الصادق عليه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلّي حتى تنقضي أيامها » (3).
    أما المبتدأة والمضطربة ففيهما قولان ، قال الشيخ في المبسوط : أول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة والصوم ، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض ، وان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض ، وتقضي ما تركته من صلاة وصيام (4) ، لقول الصادق عليه السلام : « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر » (5) وبه قال الشافعي (6).
1 ـ الكافي 3 : 110 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1238.
2 ـ التهذيب 1 : 269 / 793 ، الاستبصار 1 : 186 / 649.
3 ـ الكافي 3 : 78 / 1 ، التهذيب 1 : 396 / 1230.
4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 42.
5 ـ التهذيب 1 : 394 / 1218 ، الاستبصار 1 : 146 / 499.
6 ـ الوجيز 1 : 26 ، فتح العزيز 2 : 456.


(276)
    وقال المرتضى في المصباح : الجارية التي يبدأ بها الحيض ولا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر ثلاثة أيام (1) ، وهو أقوى ، احتياطاًً للعبادة الثابتة في الذمة بيقين ، ولم يحصل يقين المسقط ، والحديث نقول بموجبه ، فإنه محمول على ذات العادة ، إذ المراد بالدم هو دم الحيض ، ولا تعلم أنّه حيض إلّا في العادة ، وهو قول آخر للشافعي (2).

    مسألة 88 : ذهب علماؤنا إلى أن المرأة تستظهر بعد عادتها ـ وبه قال مالك (3) ـ لقول الباقر عليه السلام في الحائض : « إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثم تمسك قطنة فانصبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إنّ أحب ، وحلت لها الصلاة » (4) وعن الرضا عليه السلام قال : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة » (5).
    وقال الشافعي : اذا مضى زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال (6) ، ولا يجوز لها ان تتوقف زماناً تطلب فيه ظهور حالها ويتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلى أن يتمّ لها مدة اكثر الحيض ، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم ، ولمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز. والملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوماً أو يومين ، على أنّا نمنع بطلان اللازم على مذهب المرتضى ، وسيأتي.
1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 56.
2 ـ فتح العزيز 2 : 456.
3 ـ بُلغة السالك 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، حلية العلماء 1 : 225.
4 ـ المعتبر : 57.
5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.
6 ـ المجموع 2 : 543.


(277)
فروع :
    أ ـ الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدم ، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض ، وإن خرجت نقية فقدطهرت ، تغتسل وتُصلّي من غير استظهار.
    ب ـ إنّما يكون الاستظهار لو قلت العادة من العشرة ، أما اذا كانت العشرة فلا استظهار ، إذ لا حيض بعدها.
    ج‍ ـ يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض ، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين ، بل بيوم واحد.
    د ـ اختلف علماؤنا في قدر الاستظهار ، قال الشيخ في النهاية : تستظهر بيوم أو يومين ، وبه قال ابن بابويه والمفيد (1) ، وفي الجمل : تصبر حتى تنقى (2).
    وقال المرتضى : تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة (3).
    والأول أقرب ، لما تقدم من قول الباقر عليه السلام : « فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين » (4) وقال الرضا عليه السلام : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين » (5).
    واحتجاج المرتضى بقول الصادق عليه السلام : « ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة » (6) ضعيف السند.
1 ـ النهاية : 24 ، أحكام النساء للمفيد : 7 ، المقنع : 16 وفيه : استظهرت بثلاثة أيام.
2 ـ الجمل والعقود للطوسي : 163.
3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 57.
4 ـ هو المحقق في المعتبر : 57.
5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.
6 ـ التهذيب 1 : 172 / 493 ، الاستبصار 1 : 150 / 517.


(278)
    هـ ـ ظاهر كلام الشيخ والمرتضى (1) أن الاستظهار على سبيل الوجوب ، إذ المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة ، ويحتمل الاستحباب ، والمقتضي احتمال الحيض ، ولقول الصادق عليه السلام : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت وتوضأت وصلّت » (2).
    و ـ إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ـ ولا يجب لو انقطع للعشره لأنّها مدة الحيض ـ فإن خرجت نقية اغتسلت ، وإن كانت متلطخة ، فإن كانت مبتدأة صبرت حتى تنقى ، أو تمضي عشرة أيام.
    وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقر عليهالسلام : « فإن خرج الدم لم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت » (3) فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض ، وإن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنّه صادف أيام الطهر.
    ز ـ لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه ، فإن رأت قبل العاشر وانقطع عليه فالجميع حيض ، وكذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين ، إذ لا يكون الطُهر أقل من عشرة أيام ، ولو تجاوز العشرة فهي مستحاضة وسيأتي حكمها ، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضاً منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً ان استمر ثلاثة فمازاد إلى العاشر ثم انقطع فهو حيض ، وإن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.
1 ـ النهاية : 24 ، وأما قول المرتضى فحكاه المحقق في المعتبر : 57.
2 ـ التهذيب 1 : 402 / 1258.
3 ـ التهذيب 1 : 161 / 462 وفيه عن الامام الصادق عليه السلام.


(279)
    وفيه مطلبان :
    الأول : في أحكامها.

    مسألة 89 : دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق ، لقول الصادق عليه السلام : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع ، ودم الاستحاضة أصفر بارد » (1) وقد يتفق الأصفر حيضاً كما لو وجد في أيام الحيض ، وكذا قد يوجد دم الاستحاضة أسوداً حاراً عبيطاً إذا كان بعد أيام الحيض ، وأكثر أيام النفاس ، وبعد اليأس ، لما تقدم من أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر.

    مسألة 90 : دم الاستحاضة إن كان قليلاً ـ وهو أن يظهر على القطنة كرؤوس الابر ولا يغمسها ـ وجب عليها تغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا (2) ، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتصوم وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة ) (3).
    ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن المستحاضة : « وان
1 ـ الكافي 3 : 91 / 1 ، التهذيب 1 : 151 / 429.
2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والسيد المرتضى في الناصريات : 244 مسألة 45 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 67.
3 ـ سنن الدارمي 1 : 202 ، سنن الترمذي 1 : 220 / 126.


(280)
كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (1) وأما القطنة فلأنّها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.
    قال الشيخ : وتغيير الخرقة (2) ، وفيه نظر ، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.
    وقال ابن أبي عقيل منّا : لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل (3) ، وبه قال مالك (4).
    وقال أبو حنيفة : تتوضأ لوقت كلّ صلاة (5) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( المستحاضة تتوضأ لوقت كلّ صلاة ) (6) وروايتنا أرجح لأنّها مفسرة لا إجمال فيها.
    وقال الشافعي في أحد قوليه : يجب على المستحاضة الغُسل لكلّ صلاة من غير وضوء (7) ، ورواه الجمهور عن علي عليه السلام ، وابن عمر ، وابن عباس وابن الزبير (8) ، لأنّ ام حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّى الله
1 ـ الكافي 3 : 89 / 2 ، التهذيب 1 : 107 / 277.
2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 67.
3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 64.
4 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، تفسير القرطبي 3 : 85 ، المحلى 1 : 253 ، المجموع 2 : 535 ، المغني 1 : 389 ، الشرح الكبير 1 : 389 ، عمدة القارئ 3 : 277.
5 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، الهداية للمرغيناني 1 : 32 ، شرح العناية 1 : 159 ، اللباب 1 : 46 ، سبل السلام 1 : 99 ، المحلى 1 : 253 ، فتح العزيز 2 : 437.
6 ـ اُنظر سنن البيهقي 1 : 344 ، سنن الترمذي 1 : 218 / 125.
7 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399.
8 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ، المجموع 2 : 536 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390 ، واُنظر سنن الدارمي 1 : 220 و 221 و 224.


(281)
عليه وآله فأمرها أن تغتسل لكلّ صلاة (1) ، وهو محمول على الكثرة ، وتحمل الصلاة على الواحدة وما ماثلها كالظهرين والعشاء‌ين.
    وقالت عائشة : تغتسل كلّ يوم غسلاً ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وروي عن ابن عمر (2) ، فإن سعيد بن المسيب روى أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر (3) قال مالك : إني أحسب أن حديث ابن المسيب إنّما هو من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه ، يعني أنّه بالطاء غير المعجمة فابدلت بالظاء المعجمة (4).
    وقال بعضهم : تجمع بين كلّ صلاة جمع بغسل وتغتسل للصبح لحديث حمنة (5) ، وسيأتي ، وبه قال عطاء ، والنخعي (6) وهو مذهبنا في القسم الثالث ، وهو الدم الكثير ، وسيأتي.

    مسألة 91 : وإن كثر الدم حتى غمس القطنة ولم يسل وجب عليها الغُسل لصلاة الغداة خاصة ، والوضوء لكلّ صلاة ، وتغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا (7) ، لقول الصادق عليه السلام : « فإن لم يجز
1 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ـ 90 صحيح مسلم 1 : 263 / 334 ، سنن الترمذي 1 : 229 / 129 ، سنن النسائي 1 : 181 ـ 182 ، سنن أبي داود 1 : 77 / 289 ـ 291 ، سنن الدارمي 1 : 196و 221 ، سنن البيهقي 1 : 327.
2 ـ المجموع 2 : 536 ، المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390.
3 ـ سنن ابي داود 1 : 81 / 301 ، المجموع 2 : 536 ، المغني 1 : 408 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390.
4 ـ سنن أبي داود 1 : 81 ، ذيل الحديث 301 ، المغني 1 : 408.
5 ـ سنن الترمذي 1 : 221 / 128 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، مسند أحمد 6 : 381 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 و 174 ، سنن البيهقي 1 : 338.
6 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 400.
7 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والسيد المرتضى في الناصريات : 224 مسألة 45 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 67.


(282)
الكرسف فعليها الغُسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة » (1).
    وقال ابن أبي عقيل منّا : عليها ثلاثة أغسال (2) ، لقول الصادق عليه السلام : « المستحاضة إذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ، وتغتسل للفجر وتحتشي وتستثفر ولا تحني ، وتضم فخذيها في المسجد » (3) وهو محمول على السيلان.

    مسألة 92 : وإن سال الدم فعليها ثلاثة أغسال ، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وتؤخر الظهر وتقدم العصر ، وغسل للمغرب والعشاء كذلك ، وغسل لصلاة الغداة ، وإن كانت متنفلة اغتسلت غسل الغداة لها ولصلاة الليل ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال عطاء ، والنخعي (4) ـ لما تقدم في حديث الصادق عليه السلام (5) ، ورواه الجمهور في حديث حمنة (6) ، وسيأتي.
    واكثر الجمهور ـ كالشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ـ قالوا : على المستحاضة الوضوء لكلّ صلاة ، ولا يجب الغُسل وإن كثر دمها (7) ، لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : ( إنّما ذلك عرق وليست بالحيضة ،
1 ـ الكافي 3 : 89 / 4 ، التهذيب 1 : 170 / 485.
2 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 65.
3 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.
4 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ـ 400.
5 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.
6 ـ سنن الترمذي 1 : 222 و 225 / 128 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، مسند أحمد 6 : 381 ـ 382 ، أبي داود 1 : 76 ـ 77 / 287 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 و 174.
7 ـ المجموع 2 : 541 ، فتح العزيز 2 : 435 ، المغني 1 : 408 ، مسائل أحمد : 25 ، المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، اللباب 1 : 46 ، بداية المجتهد 1 : 60 ، المحلى 1 : 252.


(283)
فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، وتوضئي لكلّ صلاة ) (1) ، وهو محمول على القسم الاول.
    وقال عكرمة ، وربيعة ، ومالك : إنّما عليها الغُسل عند انقضاء حيضها ، وليس عليها للاستحاضة وضوء (2) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( فاغتسلي وصلي ) (3) ولم يذكر الوضوء لكلّ صلاة ، وهو حوالة على العموم.

فروع :
    أ ـ يجب على هذه تغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، لإمكان الاحتراز عن النجاسة بذلك فيجب.
    ب ـ قال المفيد : تصلّي هذه بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معاً على الاجتماع ، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء ، وكذا في صلاة الليل والغداة (4).
1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 204 / 624 ، سنن أبي داود 1 : 80 / 298 ، سنن الدارقطني 1 : 212 / 35 ـ 38 ، سنن البيهقي 1 : 343 ، المستدرك للحاكم 1 : 175 ، صحيح البخاري 1 : 87 ، صحيح مسلم 1 : 262 / 333 ، مسند أحمد 6 : 83 ، الموطأ 1 : 61 / 104 ، سنن النسائي 1 : 122 و 185 و 186 ، سنن الترمذي 1 : 217 / 125.
2 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، المجموع 2 : 535 ، المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 389 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390 ، عمدة القارئ 3 : 277.
3 ـ صحيح مسلم 1 : 262 / 333 ، سنن ابن ماجة 1 : 203 / 621 ، سنن النسائي 1 : 122 و185 ـ 186 ، سنن أبي داود 1 : 74 / 282 ، الموطأ 1 : 61 / 104 سنن البيهقي 1 : 343 ، سنن الدارقطني 1 : 206 / 1 و 2 ، وفيها : فاغسلي عنك الدم وصلي.
4 ـ المقنعة : 7.


(284)
    واقتصر الشيخ على الاغتسال ، وكذا المرتضى ، وابنا بابويه (1).
    وابن إدريس أوجب الوضوء لكلّ صلاة (2) وهو حسن ، وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك ، وقول بعضهم : إنّ الباقر عليه السلام قال : « فلتغتسل ولتستوثق من نفسها ، وتُصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت » (3) والتفصيل قاطع للشركة (4) ، لا حجة فيه ، إذ قطع الشركة يحصل بإيجاب الغُسل وعدمه.
    ج ـ قال بعض علمائنا : إذا اجتمع الوضوء والغسل توضأت للاستباحة واغتسلت لرفع الحدث ، تقدم الوضوء أو تأخر ، إذ الحدث باق مع التقدم ، ومع التأخر يرتفع الحدث بالغسل (5). والحق تساويهما في النيّة لاشتراكهما في علية رفع الحدث.

    مسألة 93 : يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم والتوقي منه لأنّه حدث دائم كالسلس ، لا يمنع الصوم والصلاة فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إنّ كانت تتيمم ، وتحشوه بخرقة ، أو قطنة ، فإن كان الدم قليلاً يندفع به فلا بحث ، وإلّا تلجمت مع ذلك بأن تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة اُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدامها والاُخرى وراء‌ها وتشدهما بتلك الخرقة.
    وهو واجب إلّا مع التضرر بالشد ، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله لحمنة بنت جحش : ( أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ) قالت : هو أكثر
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 67 ، الناصريات : 224 مسألة 45 ، الفقيه 1 : 50.
2 ـ السرائر : 30.
3 ـ التهذيب 1 : 169 / 483.
4 و 5 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 66.


(285)
من ذلك ، قال : ( فتلجمي ) قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : ( فاتخذي ثوباً ) (1).
    وقول الصادق عليه السلام : « تحتشي وتستثفر » (2) ، والاستثفار والتلجم واحد. وإذا فعلت ذلك في صلاة وجب عليها فعله في الاُخرى ، وللشافعي وجهان (3).
    تذنيب : صاحب السلس ومن به البطن يجب عليهما الاستظهار في منع النجاسة بقدر الإمكان ، لقول الصادق عليه السلام : « إذا كان الرجل يقطر منه الدم والبول إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطناً ثم علقه عليه ، وأدخل ذكره فيه ، ثم صلّى ، يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ، بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح » (4).
    وقال بعض المتأخرين منّا : لا يجب على من به السلس أو الجرح الذي لا يرقأ أن يغير الشداد عند كلّ صلاة ، وإن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل ، والتعدي قياس (5). وليس بجيد ، إذ الاحتراز من النجاسة واجب.

    مسألة 94 : لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا ، سواء كانا فرضين أو نفلين ، لقوله عليه السلام لحمنة : ( توضئي
1 ـ سنن الترمذي 1 : 221 / 128 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، مسند أحمد 6 : 381 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 و 174 ، سنن البيهقي 1 : 338.
2 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.
3 ـ المجموع 2 : 534.
4 ـ الفقيه 1 : 38 / 146 ، التهذيب 1 : 348 / 1021.
5 ـ هو المحقق في المعتبر : 67.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس