معرفة النفس ::: 121 ـ 135
(121)
العبادة ثم يجعل لتلك العبادة التي دعانا لها ووفقنا بمنه اليها قيمة وفضلاً عظيماً فسبحان الرب الكريم ..
    اما لماذا يكون لقيام الليل هذا الفضل العظيم والعطاء الكبير فيمكننا استنتاج النقاط التالية :
    اولاً : ان قيام الليل يوفر للانسان افضل فرصة لمحاسبة ذاته ولمراجعة اعماله ولاتخاذ القرارات الصائبة.
    ثانياً : هدوء الليل وسكونه يساعد الانسان على الخشوع والتوجه الخالص لله دون ان تستقطب اهتماماته المشاغل الاخرى.
    ثالثاً : انه انتصار لارادة الانسان على شهواته التي تدعوه الى الراحة والكسل وتدريب للنفس على الاستجابة لاوامر الله مهما كان الظروف.
    ولكن كيف يتوفق الانسان للحصول على هذا الفضل والشرف وما هي العوامل التي تساعد الانسان لكي ينال هذا الوسام العظيم ؟
    1 ـ التوجه الالهي : حينما تسيطر المادة على نفس الانسان وتفكيره ويهيم بمكاسبها ولذاتها فان ذلك سيكون على حساب الجانب المعنوي والروحي مما يضعف اندفاع الانسان نحو العبادات اما اذا كان قلبه مطمئناً بذكر الله ونفسه متوجهة الى عظمته فان العبادة وقيام الليل سيكون جزءاً لا يتجزأ من برنامج حياته بل تصبح اعز برامج حياته لديه.
    فالمؤمنون الذين اطمأنت قلوبهم بذكر الله وانشرحت لانوار قدسه يجدون في العبادة وقيام الليل لذة لاتعد لها لذة ومتعة تتضاءل دونها كل شهوات الدنيا ومتعها.
    قال احدهم : اذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي واذا


(122)
طلعت حزنت لدخول الناس علي.
    وقال آخر : اهل الليل في ليلهم الذ من اهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما احببت البقاء في الدنيا.
    وقال بعض العلماء : لذة المناجاة ليس في الدنيا ، انما هو من الجنة اظهرها الله لاوليائه لايجدها سواهم.
    فلنتوجه الى الله ولنعمر قلوبنا بحبه وعشقه والشوق الى رضوانه. ولنهتف دائماً وابداً بالفقرات الواردة في اواخر دعاء كميل :
    « واجعل لساني بذكرك لهجا ، وقلبي بحبك متيما ».
    2 ـ معرفة فضل صلاة الليل وقيامه من خلال الايات والروايات وكلمات الاولياء وسيرة الصالحين .. ففي قضايانا المادية نحن ندرك اثر الدعاية والتشجيع في ايجاد الرغبة نحو الامور والاشياء وكذلك الحال في القضايا الروحية المعنوية على الانسان ان يرغب نفسه بالاطلاع الدائم على الاحاديث والنصوص التي تذكر فضل الاعمال الروحية والعبادات الالهية .. ويجب الاستفادة من مختلف الوسائل لتشويق الناس الى العبادة ..
    3 ـ خفة المعدة : فاذا تناول الانسان طعاماً كثيراً او ثقيلاً فان سيطرة النوم عليه ستكون اكثر .. اما اذا نام خفيف المعدة فيستطيع النهوض واليقظة بسهولة .. قال احد العباد لتلاميذته : « لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتخسروا عند الموت كثيراً ».
    4 ـ قراءة حياة الاولياء ومواقف تهجدهم في جوف الليل لتشجيع الانسان على الاقتداء بهم وتقليدهم في عبادتهم ومناجاتهم ولنذكر موقفاً واحداً من المواقف التي سجلتها لنا ذاكرة التاريخ لعبادة احد الاولياء الطاهرين وهو الامام زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ) :


(123)
    يقول طاؤوس الفقيه : « رأيت علي ابن الحسين يطوف بالكعبة من العشاء الى السحر ويتعبد ، فلما لم ير احدا رمق السماء بطرفه وقال :
    « الهي غارت نجوم سماواتك ، وهجعت عيون انامك ، وابوابك مفتحات للسائلين ، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد ( صلى الله عليه وآله ) في عرصات القيامة.
    ثم بكى وقال :
    « وعزتك وجلالك ما اردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك اذ عصيتك وانا بك شاك ، ولا بنكالك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولكن سولت لي نفسي ، واعانني على ذلك سترك المرخي به علي ، فالان من عذابك من يستنقذني ؟ وبحبل من اعتصم ان قطعت حبلك عني ؟ فواسوأتاه غداً من الوقوف بين يديك ، اذا قيل للمخفين جوزوا ، وللمثقلين حطوا ، امع المخفين اجوز ؟ ام مع المثقلين احط ؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم اتب ، اما آن لي ان استحي من ربي ؟!
    ثم بكى وانشأ يقول :
اتحرقني بالنار ياغاية المنى اتـيت باعمال قباح زرية فاين رجائي ثـم اين محبــتي ومافي الورى خلق جنى كجنايتي
    سبحانك تعصى كأنك لاترى ، وتحلم كأنك لم تعص ، تتودد الى خلقك بحسن الصنيع كأن بك الحاجة اليهم ، وانت ياسيدي الغني عنهم. ثم خر الى الارض ساجداً.


(124)
    قال طاؤوس : فدنوت منه وشلت برأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده ، فاستوى جالساً وقال :
    من الذي اشغلني عن ذكر ربي ؟
    فقلت : انا طاؤوس يا ابن رسول الله ماهذا الجزع والفزع ؟ ونحن يلزمنا ان نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون ، ابوك الحسين ابن علي ، وامك فاطمة الزهراء وجدك رسول الله ؟ !!
    فالتفت الي وقال : هيهات هيهات يا طاؤوس دع عنك حديث ابي وامي وجدي خلق الله الجنة لمن اطاعه واحسن ، ولو كان عبداً حبشياً ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولداً قرشياً اما سمعت قوله تعالى : ( فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ؟ والله لا ينفعك غدا الا تقدمة تقدمها من عمل صالح (1).
    ماذا نجني من حب الله ؟
    اذا توثقت عرى المحبة بين العبد وربه فاز العبد بسعادة الدنيا والاخرة ، فقلبه يصبح نقياً وروحه صافية وطاهرة وتفكيره صائباً واعماله موفقة وارادته قوية هذا في الدنيا اما في الاخرة فلا يمكن وصف مايناله من خير وسعادة .. ونكتفي بالحديثين التاليين لمعرفة نتائج محبة الله سبحانه وتعالى.
    فعن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « ما تحبب الى عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه وانه يتحبب الى بالنافلة حتى احبه ، فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، اذا دعاني اجبته ، واذا سألني
1 ـ البحار : ج 46 ص 81.

(125)
اعطيته » (1).
    وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « ان اولى الالباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حب الله فان حب الله اذا ورثه القلب واستضاء به اسرع اليه اللطف ، فاذا نزل اللطف صار من اهل الفوائد ، فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة واذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة » (2).
    الذين يحبهم الله سبحانه
    هناك صفات معينة للاشخاص الذي يحبهم الله سبحانه وتعالى ويجلهم ، وقد عددها القرآن الكريم ، نذكرها اتماما للفائدة ومعرفة لتلك الصفات من اجل ان نتحلى بها ونتقمصها في شخصياتنا.
    فما عسى ان تكون هذه الصفات ؟
    قال تعالى :
    ( ان الله يحب المحسنين ) (3).
    ( ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) (4).
    ( فان الله يحب المتقين ) (5).
    ( والله يحب الصابرين ) (6).
    ( ان الله يحب المتوكلين ) (7).
1 ـ البحار : ج 70 ص 22.
2 ـ البحار : ج 70 ص 25.
3 و 4 ـ سورة البقرة : ـ 195 / ـ 222.
5 و 6 ـ سورة آل عمران : ـ 76 / ـ 146.
7 ـ سورة آل عمران : ـ 159.


(126)
    ( ان الله يحب المقسطين ) (1).
    ( ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) (2).
    الذين لايحبهم الله سبحانه
    كما ان هناك صفات سيئة يحرم الانسان بسببها من حب الله تعالى عدد القرآن الحكيم منها :
    ( ان الله لايحب المعتدين ) (3).
    ( والله لايحب كل كفار اثيم ) (4).
    ( والله لايحب الظالمين ) (5).
    ( ان الله لايحب من كان مختالاً فخوراً ) (6).
    ( ان الله لايحب من كان خواناً أثيماً ) (7).
    ( والله لايحب المفسدين ) (8).
    ( انه لايحب المسرفين ) (9).
    ( ان الله لايحب الخائنين ) (10).
1 ـ سورة المائدة : ـ 42.
2 ـ سورة الصف : ـ 64.
3 و 4 ـ سورة البقرة : ـ 190 / ـ 276
5 ـ سورة آل عمران : ـ 57.
6 و 7 ـ سورة النساء : ـ 36 / ـ 107.
8 ـ سورة المائدة : ـ 64.
9 ـ سورة الانعام : ـ 141.
10 ـ سورة الانفال : ـ 58.


(127)
    ( انه لايحب المستكبرين ) (1).
    ( ان الله لايحب الفرحين ) (2).
    تشجيع الناس على حب الله
    من اجل ان يطبق الناس التعاليم الالهية وينقادون الى توجيهات الله سبحانه وتعالى ويضحون من اجله فلا بد ان نحبب الله لهم ونغرس حبه في افئدتهم حتى ينطلقوا بزخم عظيم الى العمل والجهاد وبرغبة وشوق ، وقد وردت احاديث كثيرة تحثنا على تحبيب الناس الى الله سبحانه وتعالى وتشجيعهم ودفعهم نحو الاقتراب منه سبحانه.
    فعن الامام الرضا عن آبائه ( عليهم جميعاً السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اوحى الله عزوجل على نجيه موسى : احببني وحببني الى خلقي ! قال : يا رب هذا احبك فكيف احببك الى خلقك ؟ قال اذكر لهم نعماي عليهم وبلاي عندهم ، فانهم لايذكرون او لايعرفون مني الا كل الخير » (3).
    وعن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : اوحى الله تعالى الى موسى ( عليه السلام ) : احببني وحببني الى خلقي قال موسى : يارب انك لتعلم انه ليس احد احب الي منك فكيف لي بقلوب العباد ؟ فاوحى الله اليه فذكرهم نعمتي وآلائي فانهم لايذكرون مني الا خيراً » (4).
    وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : قال الله عزوجل لداود ( عليه السلام ) : احببني وحببني الى خلقي ! قال رب نعم انا احبك فكيف احببك الى خلقك ؟ قال : اذكر ايادي عندهم فانك اذا ذكرت ذلك لهم احبوني (5).
1 ـ سورة النحل : ـ 23.
2 ـ سورة القصص : ـ 76.
3 و 4 ـ البحار : ج 70 ص 18.


(128)
    لابد من تذكير الناس بنعم الله التي ينسونها في غمرة تمتعهم بها وهذه رسالة يجب ان يقوم بها كل محب لله سبحانه وتعالى ، فلا يكفي ان نتحدث في خطاباتنا وكتاباتنا عن الجانب العقلي والنظري للدين واحقيته ، وليس فقط نتحدث للناس عن القضايا السياسية والاحداث اليومية بل نتحدث لهم ايضا عما يحبب الله لهم ونعرفهم واجباتهم تجاه باريهم ومصورهم وعن مصيرهم وآخرتهم.


(129)


(130)

(131)
    تتركز في اعماق كل انسان مجموعة من الدوافع او الغرائز الفطرية التي تصاحبه منذ ولادته وبعضها يتبلور كلما ترعرع وتفاعل مع البيئة الاجتماعية.
    والغرائز جمع غريزة وهي اسم مشتق من الغرز كغرز المسمار في الجدار اما معناها الاصطلاحي فعلى الرغم من اختلاف علماء النفس في تحديد عدد الغرائز الا انهم متفقون على ان الغريزة قوة كامنة في الكائن الحي تدفعه الى انواع مختلفة من السلوك ، والغرائز هي المحركات الاولى لكل سلوك (1). اذن هي القوة الراسخة في النفس والمتلاحمة فيها بقوة بحيث لايمكن ان تتصور انساناً بدون غرائز.
    وقد حدد العلامة المدرسي في كتابه المنطق الاسلامي مراحل الغريزة بثلاث مراحل : مرحلة الحاجة البيولوجية ، فمرحلة الاحساس الحيوي ، ثم مرحلة الضغط على النفس ويقول ونستطيع ان نسمي المرحلة الاولى بالغريزة والثانية بالشهوة ، والثالثة ، بالهوى.
    ويقول في موضع آخر ان النصوص الاسلامية تؤيد ارتباط الغرائز بالبنية الترابية للانسان بذات القوة التي ايدتها النصوص العلمية (2)
1 ـ مبادئ علم النفس : للدكتور مختار حمزة : ص 119.
2 ـ المنطق الاسلامي : للعلامة السيد محمد تقي المدرسي : ص 248.


(132)
    والواقع ان كل غريزة من هذه الغرائز الفطرية التي تعبر عن حاجات معينة للانسان تقوم بدور ايجابي في حياته ، فالله سبحانه تعالى لم يخلق غريزة او عضواً في الانسان الا لهدف ، بيد ان ما نلاحظه من انحرافات عند الكثير من بني البشر مرده ليس الغرائز وانما الارادة التي تحدد مسار الغرائز اضافة الى العقل الذل اوتي القدرة على تعديل الميول فقد يسخر الانسان عقله وذكاءه لظروف معينة من التربية واجواء الفساد والضلال والتنافس السلبي والعقائد الخاطئة الى اشباع غرائزه بشكل سيء فيؤثر على الحالة النفسية بالنسبة له وعلى الامن الاجتماعي بالنسبة للمجتمع ، فالغرائز لايمكنها ان تؤدي الى انحراف الا اذا ضعفت الارادة وتعطل عمل الضمير والوجدان وفشل العقل في التحكم والسيطرة على السلوك.
    طرق التعامل مع الغرائز :
    وقد اثيرت حول هذه الغرائز موجات من الجدل حيث انقسم الناس حولها الى مذاهب كل مذهب له نظرته الخاصة تجاه الغرائز وبناءاً على هذه النظرة فقد اتخذ اسلوباً يختلف عن غيره في التعامل معها ، نحاول هنا ان نستطلع هذه المذاهب.
    المذهب الاول : التنكر للغرائز وكبتها ..
    يرى اصحاب هذا المذهب واتباعهم ان الغرائز شر يجب التخلص منه اذا ما اردنا للحياة الانسانية ان تسعد وتتكامل وذلك باتباع مختلف الاساليب التي تعمل على قمعها وكبتها حتى لا ينجر الانسان الى سلوك الحيوانات وحتى يرتفع الى مصاف الملائكة وهذا يتطلب اتعاب الجسد بالعبادة والتنسك والعزوف عن ملذات الدنيا ، فهم يقولون ان هناك علاقة بين الجسم والروح وهذه العلاقة علاقة تنافي وتضاد فكلما عذبت الجسم اسعدت الروح ، وكلما نعمت الجسم اشقيت الروح. وهذا المذهب ذهب اليه قسم كبير من


(133)
المسيحيين كرد فعل على انتشار الجرائم والمشاكل ، بسب الخواء الروحي ، وتقديس الغرائز ، وافساح المجال لها في العالم الغربي ، كما ان قسماً من المسلمين آمنوا بهذا المذهب ، وحاولوا ان يكبتوا غرائزهم ويعيشوا زهاداً عباداً في الحياة ، ليس لهم اي دخل بما يجري في الحياة « وقد كان اكثر الفلاسفة وعلماء الاخلاق قبل فرويد ينبذون الغرائز ، اي انهم كانوا يصرحون احياناً ويلمحون احياناً اخرى بانها عوامل تجر الانسان الى الخصائص الحيوانية وكانوا يؤكدون على ان التمدن الصحيح لايمكن ان يتحقق في المجتمع الا بالصراع العنيف مع تلك الغرائز التي كانوا يعتبرونها ( ارواحاً حيوانية ) وبعبارة اخرى فان هؤلاء المفكرين ، كانوا يقولون بان هذه الغرائز تمنع البشرية من التكامل ، ولو كان يمكن ان تفقد من المجتمع بالمرة كان من السهل ايجاد حياة اجتماعية متكافئة ومتزنة » (1).
    المذهب الثاني : اطلاق العنان للغرائز ..
    ويرى اصحاب هذا المذهب ضرورة فتح الباب على مصراعيه للغرائز حتى يشبع الانسان حاجاته ولا يصاب بامراض وعقد نفسية بل ذهبوا الى ابعد من ذلك وقالوا ان الانسان خلق من اجل اشباع شهواته وغرائزه ، فهو هدفه في الحياة امثال فرويد وسارتر وماكودجال ، يرى ماكدوجال : « ان الكائنات الحية مدفوعة لتحقيق اغراض مرسومة سواء شعرت بها ام لم تشعر ، ولهذا السبب زودته الطبيعة بعدد معين من الدوافع الكامنة او القوة الموجهة ، هي الغرائز لاجل ان تحقق هذه الاغراض وتسمى نظرية
1 ـ الطفل بين الوراثة والتربية.

(134)
ماكدوجال بالنظرية الغرضية » (1).
    ويرى فرويد ان جذر الغرائز هي الغريزة الجنسية وعلى الانسان ان يشبعها بي طريقة كانت فيقول : « انه لايفوتني الادراك بن الحب هو مركز الحياة ، وعليه فان الناس يعللون كل فرح ونجاح بالحب والمحبوبية وهذا الوضع النفسي موجود عند الجميع ، ان من المظاهر التي يظهر فيها الحب وهو الحب الجنسي الذي يكسبنا حالة من الانجذاب والشعور باللذة. وفي النتيجة فان هذه اللذة تكون قدوة ودليلا لميلنا نحو السعادة. فأي شيء اذن اقوم من ان نسلك الطريق الى السعادة في نفس الطريق الذي صادفناه او مرة » (2).
    اما سارتر فيرى ان غريزة حب الذات هي الغريزة الاساسية التي تتفرع منها بقية الغرائز ومن حق الانسان ان يشبعها بالطريقة التي يراها وليس من حق احد ان يمنعه.
    وهكذا نرى الحرية في العالم الغربي تفسح المجال لكل انسان ليشبع غرائز حب التملك والسيطرة والشهوة الجنسية وغيرها كيفما شاء وكيفما اتفق.
    المذهبان خاطئان :
    والواقع ان كلا المذهبين خاطئان وقد جاء كل واحد منهما كردة فعل للآخر وليس من دراسة معمقة لواقع الانسان وكيانه.
    فخطأ مذهب الكبت للغرائز يكمن في :
    ان الغرائز الموجودة في كيان الانسان وجوداً اصيلاً منذ الخلقة انما اوجدها الله لحكمة وهدف وليس عبثاً وجزافاً ، فاذا كنا نعتقد بحكمة الله فلماذا
1 ـ مبادىءعلم النفس : ص 119.
2 ـ الطفل بين الوراثة والتربية.


(135)
نحاول ان نلغي هذه الغرائز من كياننا وكأنها شر او شيء غير مرغوب فيه يجب ازالته فالله رحيم بعباده لايمكن ان يزرع الشر في ذواتهم. ان للغرائز اهدافاً ساميه اولها حفظ الذات وحفظ النسل وتسيير عجلة الحياة ، واذا اصرينا على ضرورة كبت الغرائز فنحن حينئذ سنكون مثل ذلك العابد الذي فكر في ان استعمال عينيه في النظر الى الدنيا نوع من الاسراف فأخذ له شيئاً من الطين ووضعه على احدى عينيه وصار ينظر الى الدنيا والى الاشياء بعين واحدة وحينما استفسر منه اخوه مستنكراً عليه فعلته.
    اجاب العابد : اعلم يا اخي اني زاهد في الدنيا وقد رأيت ان النظر الى الدنيا وقضاياها بعينين نوع من الاسراف فاغلقت احداهما وتركت الاخرى! فرد عليه اخوه قائلاً :
    منذ متى وضعت هذه الطين على عينيك ؟
    فاجاب العابد : منذ بضعة اشهر.
    فقال اخوه : اذا كنت مؤمنا فيجب ان تعتقد بحكمة الله فالله حكيم ويعلم انك تحتاج الى عينين والا فبامكانه ان يخلقك اعور. ثم انك تصلي والصلاة من شرائطها غسل الوجه وحينما وضعت الطين فالماء لم يصل الى جزء من بشرة وجهك ووضوئك هذا يكون باطلاً وصلاتك يجب ان تعيدها !!
    فنحن اذا تعاملنا مع الغرائز معاملة التنكر لها وعدم الاعتراف بها يعني اننا تنكرنا لحكمة الله من وراء ايجادها وخسرنا فوائد هذه الغرائز.
    وثانياً : ان الغرائز ما هي الا تعبير عن حاجات طبيعية وفطرية في الانسان لايمكن كبتها مهما حاول الانسان وادعى واذا ما حاول ان يخنقها او يكبتها وهو في الواقع يكبت بعضها وليس جميعها فانه يصاب بعقد نفسية
معرفة النفس ::: فهرس