منه عشرة أجزاء وهو تفسير موضوعي.
هؤلاء أعلام التفسير في
أربعة عشر قرناً وهم مائة وعشرون ، وقد اكتفينا بهم مع أنّ عدد أعلام التفسير
فضلاً عن غيرهم يتجاوز عن ذلك ، غير أنَّ المجال لا يسع أكثر من ذلك.
تاريخ التدوين والتطوير في التفسير إنّ هذا البحث الضافي حول
تاريخ تفسير القرآن عند الشيعة الإمامية ، يوقفنا على تاريخ التدوين والتطوير
في مجال التفسير لديهم ، فانّ الظاهر أنّ أوّل من ألّف تفسيراً للقرآن من الشيعة
هو سعيد بن جبير ـ ذلك التابعي الشيعي ـ ( المستشهد عام 95 هـ ) لتشيّعه وموالاته
علياً ، هذا ولو صحّ ما نسب من الكتب إلى عبد اللّه بن عبّاس ( المتوفّى سنة
69 هـ ) ، لكان هو متقدّماً على ابن جبير وهو تلميذ الوصي أمير المؤمنين ، ثمّ
توالت بعدهما كتابة التفسير حسب ما عرفت في قائمة القرون ، ولا نطيل الكلام في
تاريخ التدوين.
وأمّا تطوير التفسير فقد
عرفت أنّ التفسير الرائج بعد رحلة النبيّ الأكرم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) كان بعد تفسير « غريب القرآن » ،
هو التفسير بالأثر ، فكانت هذه هي السنّة المتبعة لدى الشيعة إلى نهاية القرن
الرابع ، وإنّما حصل التطور في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس ، وأوّل
تفسير ظهر في الأوساط العلمية بالطابع العلميّ الجديد ، هو تفسير الشريف الرضي
قدّس اللّه سرّه.
ثمّ استمر هذا النمط في
الأوساط العلميّة إلى أوائل القرن العاشر ، وفيه راج التفسير بالأثر من جديد ،
فأُلّفت موسوعات كبار لتفسير القرآن بالأثر ولم نر لها
(432)
مثيلاً في القرون الأُولى ، وقد دام ذلك النمط
حتى غلب على النمط العلمي ، وذلك عند تسرّب الاتجاه الاخباري إلى الأوساط
العلميّة.
ولمّا حل القرن الرابع عشر ،
وقف غير واحد من المفكّرين الإسلاميّين وقادتهم على الوضع المؤسف المحدق
بالمسلمين بسبب تأخرهم عن موكب الحضارة ، ونشوب أظفار الاستعمار ببلاد المسلمين ،
وعند ذلك شعروا بأنّ إحياء المجد الداثر وتجديد الحضارة الإسلامية في جميع
أبعادها رهن العودة إلى القرآن الكريم من جديد وتطبيقه على الحياة بدل العناية
الزائدة بقراءات القرآن وحججها أو المناقشة في الاعراب ودلائله ، فرجعوا إلى
أحضان كتاب اللّه ، ونظروا إليه بمنظار خاصّ فاكتشفوا ـ حقّاً ـ آفاقاً جديدة ،
غفل عنها الأقدمون ، آفاقاً ترتبط بالحياة عن قريب ، وتعدّ أُسساً لها ، فعطفوا
اهتمامهم على تلك المباحث والآفاق المكتشفة ، وعكفوا على دراستها دراسة معمّقة ،
فازدهرت المدارس ومحافل العلماء بالأبحاث القرآنية ، وانتشرت تفاسير بنمط حديث
لم يكن لها مثيل في القرون السابقة ، فعند ذلك حصل تطوير جديد أعمق بكثير من
التطوير العلمي الحاصل بيد أمثال الشريف الرضي وأخيه المرتضى ، وفي الحقيقة هذا
المنهج الموجود في عصرنا الحاضر تطوير حديث ومنهج متكامل يتفوّق على المنهج
العلمي ، ولم يكن بدّ للمفكرين من إبداع هذا التطوير وذلك لوجهين :
الأوّل : انّ الغزو الفكري
الذي تعرّض له الإسلام والمسلمون بمختلف أشكاله من خلال تأسيس علوم اجتماعية
ونفسيّة واقتصادية و ... ، وابداع نظريات حديثة حول النبوّة والوحي وغير ذلك ألجأ
المفكّرين إلى دراسة هذه الآراء والبحث عنها بحثاً جذرياً حتى يصونوا بأبحاثهم
القيّمة ، الإسلام والمسلمين عن تأثير هذه السموم التي بثّها ويبثها علماء
الغرب في الشرق في صورة حقائق راهنة.
(433)
وقد نجح علماء التفسير في
تحقيق أُمنيّتهم هذه نجاحاً باهراً وأدخلوا في التفسير مسائل هامّة أُلهموا بها
من خلال الآيات القرآنية ، بيد أنّ بعضهم أفرط عند تطبيق الآيات الكونيّة على
المكتشفات العصريّة ، وقد كان عليهم الأخذ بالحدّ الأوسط.
الثاني : انّ طبيعة الذكر
الحكيم تقتضي ذلك التطوير ، بل ولن يقف الركب على هذا الحد وسيواجه المستقبل
تطويراً ثالثاً ، ورابعاً في تفسير الذكر الحكيم ، كيف والنبي الأكرم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يعرّف
معجزته الكبرى بقوله : « ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له تخوم وعلى تخومه تخوم ، لا
تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار
الحكمة » . (1) وهذا أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) يصف الذكر الحكيم بقوله :
« أُنزل عليه ( النبي ) الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ،
وبحراً لا يدرك قعره ، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه ، وشعاعاً لا يظلم ضؤوه ، وفرقاناً
لا يخمد برهانه ، وتبياناً لا تهدم أركانه » ـ إلى أن قال ـ : و « بحر لا ينزفه
المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها
الواردون » . (2) وهذا هو الإمام الطاهر علي
بن موسى الرضا عليهما السَّلام ، سأله سائل وقال : ما بال القرآن لا يزداد عند
النشر والدرس إلا غضاضة ؟ فقال : « إنّ اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا
لناس دون ناس ، وهو في كلّ زمان جديد وعند كلّ قوم غض إلى يوم
القيامة » . (3)1 ـ الكافي : 599/2.
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة
198 ، ط ( صبحي صالح ).
3 ـ تفسير البرهان : 26/1.
(434)
التفاسير الشيعية في قفص الاتّهام قد تعرّفت على خدمة الشيعة
للذكر الحكيم منذ رحلة صاحب الرسالة إلى يومنا هذا ، ولعلّ ما مرّ عليك أقلّ من
معشار ما حفظته يد التاريخ ومعاجم التفسير والرجال ، فحقيق على كلّمن يحب الحقّ
والحقيقة تقدير تلكم الثلّة الجليلة من الأُمّة ، ومن حسن الحظ أنّه قام بذلك
الواجب الضمائر الحرّة من أهل العلم والفضل شكر اللّه مساعيهم.
بيد أنّ بعض المتسرّعين في
القضاء أرادوا اتّهام تفاسير الشيعة بأُمور :
1. تعصّبهم لأثبات
معتقداتهم ومقالاتهم.
2. كون تفاسيرهم تفاسير
طائفيّة.
3. قولهم بتحريف الذكر
الحكيم.
وإليك شرح تلك الاتهامات
ونقدها.
أمّا الأوّل : فقد أشار
إليه الدكتور الذهبي في كتابه « التفسير والمفسّرون » ، واستدلّ بمواضع من تفاسير
الشيعة كمسألة الرؤية ، والمسح على الرجلين ، وحلّيّة المتعة إلى غير ذلك ، حيث
إنّ الشيخ الطبرسي يسعى في تلك الموارد لإثبات مذهب الشيعة.
يلاحظ عليه : أنّه لو كان
ذلك أمراً خطأ فهو شامل لحال جميع التفاسير من غير فرق بين السنّة والشيعة ،
فانّ الطبرسي ونظراءه لو أصرّوا على إثبات امتناع رؤية اللّه ـ تبارك وتعالى ـ
عند الوصول إلى تفسير قوله سبحانه : « لا تُدْرِكُهُ
الأبْْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبير » (1) فالرازي وهو من أئمّة
1 ـ الأنعام : 103.
(435)
الأشاعرة عندما وصل إلى تفسير قوله سبحانه :
« وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكلَّمهُ
رَبُّهُ قأل رَبّ أَرِنِي أَنْظُر إِلَيْك ... » (1) أخذ بتفسير الآية على مذاق الأشاعرة ،
فلماذا كان سعي الطبرسي لإثبات معتقده خطأ ، ولكن كان سعي الرازي على ما يرويه
من إثبات الرؤية (2) أمراً صحيحاً ؟! وليس الرازي بمنفرد في هذا
العمل ، بل التفاسير عامّة مصبوغة بهذه الصبغة ، فانّ لكلّ مفسّر آراء ومعتقدات
يراها عقائد صحيحة ، نزل بها الوحي أو دلّ عليه العقل ، ففي كلّ موضع يهتم بدعم
عقائده واستعراض الآيات الدالّة عليه حسب معتقده ، وليس ذلك أمراً خطأ إذا كان
البحث موضوعياً هادئاً ، وليس المترقّب من كلّ مؤلّف هادف إلا ذلك ، وإنّما
البغيض التعصّب على الباطل مع العلم به.
يقول الأُستاذ الشيخ محمود
شلتوت ، شيخ الأزهر في تقديمه لكتاب « مجمع البيان » :
فليس من الإنصاف أن نكلّف
عالماً مؤلّفاً بحّاثة درّاكة ، أن يقف من مذهبه وفكرته التي آمن بها موقف
الفتور ، كأنّه لا تهمّه ولا تسيطر على عقله وقلبه ، وكلّ ما نطلبه ممّن تجرد
للبحث والتأليف ، وعرض آراء المذاهب وأصحاب الأفكار ، أن يكون منصفاً ، مهذب
اللفظ ، أميناً على التراث الإسلامي ، حريصاً على أخوّة الإيمان والعلم ، فإذا
جادل ففي ظل تلك القاعدة المذهبيّة التي تمثل روح الاجتهاد المنصف البصير :
« مذهبي صواب يحتمل الخطأ ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب » .
وهذا هو تفسير « المنار »
الذي طبق العالم صيته وصوته يستعرض آيات الأحكام ويستدلّ بها على ما يوافق
مذهبه ، كما يستعرض آيات العقائد والمعارف
1 ـ الأعراف : 143.
2 ـ مفاتيح الغيب : 293/4 ، ط
مصر في ثمانية أجزاء.
(436)
فيستشهد بها على مختاره ، ولو جمع ما أورده على
الشيعة في مجال الأحكام والعقائد لجاء رسالة حتى أنّ سبّب ذلك قيام عالم بارع
من علماء الشيعة (1) بنقد ما أورده على الشيعة في مناره ، ونقده نقداً
علمياً موضوعياً انتشر في حياة صاحب المنار ، ولم يقدر السيد محمد رشيد رضا على
الإجابة عنه ثانياً.
وأمّا الثاني : وهو اتهام
تفاسير الشيعة بأنّها تفاسير طائفية يحاولون تطبيق الآيات القرآنية على أئمّتهم
وقادتهم خصوصاً الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) فنقول :
إنّ اتّهام تفاسير الشيعة
بكونها تفاسير طائفية (2) يعرب عن أنّ القائل لم يفرّق بين التفسير
والتطبيق ، فحمل الروايات الواردة في حقّ الإمام أمير المؤمنين كلّها على
التفسير ، ولم يقف على أنّ الروايات الواردة في ذلك المجال على قسمين :
1. ما يتضمّن أسباب النزول
و يبيّن أنّ الآية حسب النصوص الروائية نزلت في حقّ شخص خاصّ كما هو الحال في
غير واحد من الآيات الواردة في حقّ الإمام ك « آية الإكمال » (3) و
« آية التبليغ » (4) و « آية الولاية » (5) إلى غير ذلك من
الآيات التي اعترف المحدّثون والمفسّرون بنزولها في حقّ الإمام ، فنقل ما يدعم
ذلك لا يكون دليلاً على الطائفية لو لم يكن دليلاً على البخوع بالحقيقة وخضوعاً
أمام الحقّ.
2. ما يتضمّن الجري
والتطبيق لا بمعنى أنّ الآية وردت في حقّ فرد خاصّ ، بل الآية على معناها
العامّ ، ولكن الرواية تشير إلى مصداقها المثالي الذي
1 ـ العلاّمة الحجّة السيد
محسن الأمين العاملي ، المتوفى عام ( 1373 ) ، في كتابه « الحصون المنيعة فيما
أورده صاحب المنار على الشيعة » .
2 ـ الدكتور أحمد محمود
صبحي : نظرية الإمامة لدى الشيعة الإمامية : 505.
3 ـ المائدة : 3.
4 ـ المائدة : 67.
5 ـ المائدة : 55.
(437)
هو أكمل المصاديق ، وليس هذا بعيداً عن طبيعة
القرآن ، بل بما أنّ القرآن كتاب الأجيال والقرون ، يقتضي صحّة ذلك الجري
والتطبيق ، فانّ القرآن كما عرّفه الإمام أبو جعفر محمد الباقر ( عليه السّلام ) : « ... حي لا يموت والآية
حيّة لا تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ؛ ماتت الآية ومات
القرآن. فالآية جارية في الباقين كما جرت في الماضين » . (1) ولأجل إيقاف القارئ على
الفرق بين التفسير والتطبيق نأتي ببعض ما ورد في كتب أهل السنّة حول الإمام
أمير المؤمنين ( عليه السّلام ).
قال سبحانه : « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هادٍ » . (2) قال جلال الدين السيوطي في
الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن
عساكر وابن النجّار ، قال : لمّا نزلت « إِنَّما
أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هادٍ » وضع رسول
اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب عليّ ـ رضي
اللّه عنه ـ فقال : « أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي » .
وقال : وأخرج ابن مردويه عن
أبي برزة الأسلمي ( رضي اللّه عنه ) سمعت رسول اللّه يقول : « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » ووضع
يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على صدر علي و يقول : « وَلِكُلِّ قَومٍ هادٍ » . (3) ولا يشكّ أحد أنّ علياً من
المصاديق الجليّة الكاملة لقوله : « وَلِكُلِّ قَومٍ
هادٍ » ، وليس مصداقاً منحصراً فيه ، وكان تفسير
النبي الآية بعلي من باب الجري
1 ـ مرآة الأنوار ( أبوالحسن
الفتوني ) : 2.
2 ـ الرعد : 7.
3 ـ الدرّالمنثور : 45/4 ، وقد
أورد نصوصاً أُخرى في ذلك المجال تركناها للاختصار.
(438)
والتطبيق ، وبإراءة فرد مثالي يفوق جميع
الأفراد ، فكلّ ما ورد في التفاسير الشيعية من هذا الباب أي الجري والتطبيق ، حتى
يقف المسلمون على أمثل المصاديق وأوسطها.
إنّ النبيّ الأكرم هو
الأُسوة والقدوة ، فقد طبّقت الآية الماضية على فرد مثالي تعليماً للأُمّة ،
وقد اقتدت به الأئمّة في هذا المضمار ، وإليك بعض الأمثلة ، قال سبحانه :
« الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ
ميثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل وَيُفْسِدُونَ فِي
الأَرض أُولئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ »
(1) انّ الآية الكريمة تندّد بالذين ينقضون العهد ويقطعون الصلة
ويفسدون في الأرض ، ولا يشكّ ذو مسكة أنّ الآية تتضمّن حكماً كلّياً عامّاً
حيّاً إلى يوم القيامة ، ولها عبر القرون آلاف المصاديق والجزئيات غير أنّ
أئمّة الشيعة يفسّرون قوله : « وَيَقْطَعُونَ ما
أمَرَ اللّه بِهِ أن يُوصَلَ » بقطع الصلة الواجبة
في حقّ علي وعترته الطاهرة ، وليس ذلك تفسيراً بمعنى حصر الآية في هذا الفرد ، بل
تطبيقاً للآية على الحقّ المهضوم عبر الأجيال ، وقد قال سبحانه : « قُلْ لا أَسالُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي
القُربى » (2). (3) قال سبحانه : « صِراطَ الّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ... » (4) فقد فسّر بصراط الأنبياء كما فسّرت
بالإمام أمير المؤمنين (5) ولا شكّ أنّ كلّ ذلك تطبيق على المصداق
الأجلى ، وعلى ضوء ذلك يقدر القارئ الكريم الملمّ بالتفاسير الشيعيّة ، على
تمييز التفسير عن الجري والتطبيق ، وعند ذلك يقف على قيمة النسبة المذكورة.
1 ـ البقرة : 27.
2 ـ الشورى : 23.
3 ـ نور الثقلين : 38/1.
4 ـ الحمد : 7.
5 ـ المصدر نفسه : 17 الحديث
86 ؛ تفسير البرهان : 18/1.
وأمّا الثالث : فمن رجع إلى
كتب المحقّقين من الشيعة الذين يعبأ بقولهم ورأيهم ، ويعدّ كلامهم مثالاً لعقيدة
الشيعة يقف على أنّ رمي الشيعة وتفاسيرها بالتحريف بهتان عظيم ، وانّ من نسب
التحريف إلى الشيعة إنّما استند إلى وجود روايات في تفاسيرهم الروائية مشعرة
بالتحريف أو دالّة عليها ، ولكنّ الرواية غير العقيدة ، وليس نقل الرواية دليلاً
على صحّتها ، ولو كان ذلك دليلاً على التحريف فهناك رواياتٌ دالّة على التحريف
مبثوثة في كتب التفسير والحديث والتاريخ والسنّة ، ولكنّا نجلّ المحقّقين منهم
عن القول بذلك ، فروايات التحريف تديّن بها الحشوية من العامّة وبعض الغلاة من
الخاصّة ، والشيعة وأئمّتهم وعلماؤهم برآء منهم ومن مقالتهم.
ولأجل إيقاف القارئ على
صحّة هذا المقال نأتي بأسماء مجموعة من محقّقي الشيعة عبر القرون صرّحوا بصيانة
القرآن الحكيم من التحريف :
1. أبو جعفر محمد بن عليبن
الحسين ، المعروف بالصدوق ( المتوفّى 381 هـ ) ، يقول : اعتقادنا في القرآن أنّه كلام
اللّه ووحيه وتنزيله وقوله ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،
تنزيل من حكيم عليم ، وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه لحق فصل وما هو بالهزل ، وانّ
اللّه تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به » . (1) 2. السيد المرتضى علي بن
الحسين الموسوي العلوي ( المتوفّى 436 هـ ) قال : إنّ جماعة من الصحابة مثل عبد
اللّه بن مسعود ، و أُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدّة ختمات
وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا
مبثوت. (2)1 ـ الاعتقادات : 93.
2 ـ مجمع البيان : 10/1 نقلاً
عن جواب المسائل الطرابلسيات للسيد.
(440)
3. أبو جعفر محمد بن الحسن
الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ( المتوفّى 460 هـ ) قال : وأمّا الكلام في زيادة القرآن
ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا
النقصان فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ،
وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الرواية. قيل : إنّه رويت روايات كثيرة من
جهة الشيعة وأهل السنّة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى
موضع ؟ لكنّ طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً والأولى الإعراض
عنها. (1) 4. أبو علي الطبرسي ، صاحب
تفسير « مجمع البيان » يقول : الكلام في زيادة القرآن ونقصانه. أمّا الزيادة فيه
فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية
العامّة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا
خلافه. (2) 5. السيد علي بن طاووس
الحلي ( المتوفّى 664 هـ ) قال : إنّ رأي الإمامية هو عدم التحريف. (3) 6. الشيخ زين الدين العاملي
النباطي البياظي ( المتوفّى 877 هـ ) يقول في تفسير قوله : « إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكر وَإِنّا لَهُ لَحافِظُون » أي إنّا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة
والنقصان. (4) 7. القاضي السيد نور اللّه
التستري صاحب كتاب « إحقاق الحق » ( المتوفّى 1019 هـ ) يقول : ما نسب إلى الشيعة
الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس ممّا
1 ـ التبيان : 3/1.
2 ـ مجمع البيان : 10/1.
3 ـ سعد السعود : 144.
4 ـ اظهار الحقّ : 130/2.