 |
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 21 ـ 30 |
 |
(21)
الفصل الثاني
مظاهر العدل الإلهي
في عالم الخلق
آيات الموضوع
1. « خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَونَها وَأَلْقَى فِي
الأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ
أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوجٍ كَريمٍ » . (1).
2. « إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ أَنْ
تَزُولا » . (2)
3. « وَالسَّماءَ رَفَعها وَوَضَعَ الْمِيزان » . (3)
إنّ لعدله سبحانه مظاهر في
عالم الخلق والتشريع ، و سنعرض في هذا الفصل مظاهر عدله في عالم الخلقة.
1. السماوات ورفعها بغير عمد
يقول سبحانه في هذا
الصدد : « خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَونَها » .
1 ـ لقمان : 10.
2 ـ فاطر : 41.
3 ـ الرحمن : 7.
(22)
إنّ رفع صرح هذا البناء الشامخ دون الاستعانة
بدعائم مرئيَّة يكشف عن تناغم دقيق في عالم الخلقة ، ولولاه لتداعت أركان العالم
وانهارت ، وهذا النظام الرائع تقاسمته قوّتا الجاذبية والطاردة ( النابذة ) ، وفي ظلّ
التعادل القائم بينهما انتظمت حركة النجوم و الكواكب والمجرّات في
مساراتها.
فالجاذبية قانون عام جار
على جميع الأجسام في هذا العالم ، وهي تتناسب عكسياً مع الحدّ الفاصل بين
الجسمين إذ تتعاظم كلما تضاءلت المسافة ، وتتضاءل كلما ازدادت الفاصلة ، فلو دارت
رحى النظام الكوني الدقيق على قوة الجاذبية فقط لارتطمت الكواكب والنجوم بعضها
مع بعض ولتداعى النظام السائد ، ولكن في ظل قانون الطرد يحصل التعادل المطلوب ،
وقوة الطرد تلك تنشأ من الحركة الدورانية للأجسام.
ومهما يكن من أمر ففي ظل
هاتين القوتين تبقى الملايين من المنظومات الشمسية والمجرّات معلّقة في الفضاء
دون عَمَد ، وتحول دون سقوطها وفنائها ، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم ،
ويقول : « اللّهُ الّذي رفع السَّماوات بِغَير
عَمَدٍ تَرَونها » . (1)
وتتضح دلالة الآية من خلال
ملاحظة أمرين :
الأوّل : انّ قوله « ترونه »
وصف لـ « عَمَد » وهي جمع عمود.
الثاني : انّ الضمير في
« ترونها » يرجع إلى الأقرب الذي هو « عمد » لا إلى السماوات التي هي أبعد ، ومعنى
الآية أنّه سبحانه رفع السماوات من دون أعمدة مرئية ، وهو لا ينفي العمود
بتاتاً ، بل وإنّما ينفي العمود المرئي ، ولازم ذلك وجود العمد في رفع السماوات
من دون أن يراها البشر ، وهذا هو المعنى الذي اختاره ابن
1 ـ الرعد : 3.
(23)
عباس وغيره. (1)
وهو الظاهر مما رواه الحسين
بن خالد ، عن علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) ، فإنّه ( عليه السّلام ) قال في تفسير الآية : « أليس اللّه يقول : بغير عمد ترونها ؟ » فقلت :
بلى ، قال : « ثمَّ عَمَد لكن لا ترونها » .
ويؤيده ما روي عن الإمام
علي ( عليه السّلام ) ، انّه قال :
« هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض ، مربوطة كلّ مدينة
إلى عمود من نور » . (2)
ورواه الطريحي أيضاً لكن
قال : « عمودين من نور » مكان قوله « عمود من نور » . (3)
ولعل المراد من العمودين
هما قوتا الجاذبية والطاردة.
إنّ الكتاب الكريم صاغ
الحقيقة المكتشفة من قبل « نيوتن » ، بعبارة يسهل فهمها على عامة الناس ، وقال :
« بغير عمد ترونها » .
وقد أشار سبحانه في غير
واحد من الآيات ، أنّه سبحانه هو الممسك للسماوات من الزوال ، وقال :
« إِنّاللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَرْض أَنْ
تَزُولا » . (4)
وكونه سبحانه هو المُمْسِك
لا يمنع من وجود علل طبيعية حافظة لسقوط السماوات وزوالها ، فقد جرت سنّته
سبحانه على تدبير العالم من خلال العلل الطبيعية التي هي من سننه سبحانه وجنوده
الغيبية.
وأشار الإمام علي بن أبي
طالب ( عليه السّلام ) في غير واحد
من خطبه إلى خلقة الأرض ، وقال : « أرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوام ،
ورفعها بغير دعائم » .
وعلى كلّ تقدير فالتوازن
الموجود في خلق السماوات والأرض هو مظهر من
1 ـ التبيان : 6/213.
2 ـ سفينة البحار : مادة
نجم.
3 ـ مجمع البحرين : مادة
كوكب.
4 ـ فاطر : 41.
(24)
مظاهر عدله في عالم الخلقة.
2. الجبال وحركاتها
وليس رفع السماوات و
إبداعها وتنظيم حركاتها هو الوحيد في كونه مظهراً لعدله سبحانه في التكوين ، بل
إبداع الجبال وإيجادها مظهر آخر من مظاهر التوازن والتعادل في الخلقة.
يقول سبحانه :
« وَأَلقى فِي الأرْضِ رَواسيَ أَنْ تَميدَ بِكُمْ » . (1)
وقال سبحانه :
« وَالجِبالَ أَوتاداً » . (2)
إنّ الرواسي التي استخدمها
القرآن جمع « راسية » ، والمراد منها الأََنجَر التي هي مرساة السفينة ، فللجبال
دور المرساة ، فكما أنّها تحول دون اضطراب السفينة وتقاذفها من قِبل أمواج البحر
العاتية ، فهكذا الجبال لها دور في تنظيم حركة الأرض.
وإلى هذا الحقيقة يشير
الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) في بعض خطبه ، ويقول : « وتّد بالصُّخُُور مَيدان
أَرضه » . (3)
وقال ( عليه السّلام ) أيضاً : « وعدل حركاتها بالراسيات من
جلاميدها » . (4)
3. الحياة وتوازنها الدقيق
إنّ من مظاهر عدله سبحانه
وجود الحياة في الأرض ، وهي رهن توفر
1 ـ النحل : 15. وقد جاءت
أيضاً بنفس العبارة في سورة لقمان الآية 10.
2 ـ النبأ : 7.
3 ـ نهج البلاغة : الخطبة
1.
4 ـ نهج البلاغة : الخطبة
87.
(25)
الظروف المناسبة لها ، مثلاً انّ الفاصلة الدقيقة
بين الشمس والأرض هيّأت أجواءً مناسبةً لنمو ورشد الخلايا ، وهذه ما كان لها
أن تنمو لو طرأ على تلك الفاصلة أدنى تغيير. وهذا يرشدك إلى توازن دقيق للغاية
بين السماء والأرض.
واعطف نظرك إلى النباتات
والحيوانات ، فانّ حياة الحيوان رهن استنشاق غاز الأوكسجين ( O2 ) الذي تُولّده
النباتات ، وحياة النبات رهن استنشاق غاز ثاني أوكسيد الكاربون ( CO2 ) الذي
تُولّده الحيوانات من خلال تنفّسها ، فالتوازن الموجود بين الإنتاج والاستهلاك
مهّد المناخ المناسب لحياة كلّمن النبات والحيوان ، فلو كانت الأرض محتضنة
للحيوان فقط أو للنبات فقط لما قامت للحياة قائمة.
فالتوازن القائم بين
الغازين على وجه البسيطة مظهر من مظاهر عدله سبحانه ، يقول سبحانه :
« وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوجٍ كَرِيم » (1)
ويزخر عالم النباتات
والحيوانات بعدد لا حصر له من هذا النوع من التوازن والتعادل ، وها نحن نذكر
نموذجاً آخر.
كان الملاّحون يعانون من
مرض تشقّق الجلد وسيلان الدم منه ، وسببه يعود إلى قلة الفيتامينات في أبدانهم ،
إلى أن اكتشف أحد الأخصائيين في « مدغشقر » أنّ علاجه الوحيد هو تناول وجبات
كافية من الليمون والنارنج ، ففيها كمّيات هائلة من تلك الفيتامينات ، وبذلك نجا
الملاّحون من هذا المرض الذي كانوا يعانون منه.
1 ـ لقمان : 10.
(26)
الفصل الثالث
مظاهر العدل الإلهي
في عالم التشريع والجزاء
آيات الموضوع
1. « فَمَنْ عُفِي لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِليهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ » . (1)
2. « وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ » . (2)
3. « وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسِرَةٍ وَأنْ
تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون » . (3)
4. « وَلْيُمْلِلِ الّذي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً » . (4)
قد سبق انّه سبحانه وصف
نفسه بقوله : « قائماً بالقسط » ، وتلك الفقرة
1 ـ البقرة : 178.
2 ـ البقرة : 279.
3 ـ البقرة : 280.
4 ـ البقرة : 282.
حاكية عن أنّه سبحانه قائم بأعباء القسط في جميع
المجالات تكويناً وتشريعاً ، أمّا التكوين فقد وقفت على نماذج من التعادل الذي
هو حجر الأساس لبقاء السماء والأرض واستقرار الحياة على وجه البسيطة.
بقي الكلام في مظاهر عدله
في عالم التشريع ، ولنذكر نماذج من ذلك :
1. فرض سبحانه الصيام على
كلّ مكلّف ، وقال : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ
كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون » . (1)
وفي الوقت نفسه استثنى
المريض والمسافر ومن يصوم ببذل الجهد الكبير ، قال سبحانه : « فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلى الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين » . (2)
فأوجب على المريض والمسافر
القيام بأعباء هذا التكليف بعد استعادة صحته أو رجوعه إلى الوطن ، كما أنّه
اكتفى فيمن يصوم ببذل جهد كبير كالهرم ، بالتكفير وإطعام مسكين.
2. لا شكّ انّ في القصاص
حياة لأُولي الألباب ، وفي المثل المعروف : « إنّ الدم لا يُغسّله إلا الدم » ،
ومع ذلك كلّه فقد أجاز لوليِّ الدم أن يسلك طريقاً آخر وهو إبدال القصاص
بالدية ، فقد شرع ذلك ، وقال : « فََمَنْ عُفيَ لَهُ
مِنْ أَخيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بالمَعروفِ وَأَداءٌ إِليهِ بِإِحسانٍ ذلكَ
تَخْفيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ
أَليم » (3) فالإصرار على أحد الحكمين
ربما يولِّد الحرج ، فخيّر وليَّ الدم بين القصاص وأخذ الدية حتى يتبع ما هو
الأفضل والأصلح لتشفِّي القلوب واستقرار الصلح في المجتمع.
1 ـ البقرة : 183.
2 ـ البقرة : 184.
3 ـ البقرة : 178.
(28)
3. لا شكّ انّ الربا من أعظم الجرائم وأكبرها ،
كيف وقد وصف المرابي بالمحارب ، وقال : « فَإِنْ
لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » (1) ومع ذلك فإذا تاب المرابي من عمله فقد
احترم ماله الذي اقترضه ، فعلى المقترض ردُّ رأس ماله فقط ، قال : « وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُوَُوسُ أَمْوالكُمْ لا تَظْلِمُون
ولا تُظْلَمُونَ » .
وفي الحقيقة هذه الفقرة أي
« لا تظلمون ولا تظلمون » شعار كلّ مسلم في عامة المجالات وهو لا يَظلم ولا
يتحمَّل الظلم.
4. حثَّ الناس على الإقراض
وجعل أجره عشرة ، قال سبحانه : « مَنْ
جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها »
(2) وهو عام يعم كلّ حسنة ومنها الإقراض ، ومع ذلك كلّه فإذا عجز
المقترض عن أداء قرضه وصار ذا عسرة أمر المقرض بالصبر حتى يستطيع المقترض من
دفع دينه ، قال سبحانه : « وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسِرَة وأنْ تَصَدَّقُوا خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ
تَعْلَمُون » . (3)
5. يأمر سبحانه المقرض والمقترض أن يكتبا سنداً للدين ، وفي الوقت نفسه يأمر الكاتب أن يكتب بالعدل من
دون تحيّز إلى واحد من الطرفين ، يقول سبحانه : « يا
أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمّىً
فَاكتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنكُمْ كاتِبٌ بِالعَدْل » . (4)
6. يأمر سبحانه من عليه
الحق أن يُملي كما هو عليه ، من دون نقيصة ولا زيادة ، يقول سبحانه :
« وَلْيُمْلِلِ الّذي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ
اللّهَ ربَّهُُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيئاً » . (5)
1 ـ البقرة : 279.
2 ـ الأنعام : 160.
3 ـ البقرة : 280.
4 ـ البقرة : 282.
5 ـ البقرة : 282.
(29)
7. كما يأمر إذا كان من عليه الحقّ سفيهاً أو
ضعيفاً أو لا يستطيع الإملاء فليقم مكانه وليُّه وليملل بالعدل ، يقول سبحانه :
« فَإِنْ كانَ الّذي عليه الحَقُّ سَفِيهاً أَوْ
ضَعيفاً أَوْ لا يَسْتَطيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَليُّهُ بِالعَدلِ
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجالِكُمْ » . (1)
وباختصار : تتجلى في هذه
الآية التي هي أطول آية وردت في القرآن الكريم مظاهر عدله في التشريع مرة تلو
مرة ، وللقارئ الكريم أن يستشف منها ما ذكرناه من المعاني.
8. الطهارة من الحدث أحد
شرائط صحّة الصلاة والصوم والحجّ ، وتحصل عن طريق استعمال الماء بكيفية خاصة
متقرباً فيها إلى اللّه ، ولكن ربما يكون استعمال الماء مضرّاً بصحّة المتوضىَ
أو موجباً لبطء برء مرضه ، إلى غير ذلك من الاعذار فأوجب سبحانه التيمّم بالصعيد
بدل استعمال الماء ، وهذا يدل على مرونة الإسلام في تشريعه وتعاطفه مع فطرة
الإنسان التي ترغب في العافية وتنضجر عن كلّ ما يحول دونها ، قال سبحانه :
« وَإِنْ كُنْتُمْ مَرضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ
جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أَو لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا
ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ
منه ما يُريدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج وَلكِنْ
يُريدُ لِيُطهِّركُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ » . (2)
فقوله : « ما يريد اللّه ليجعل عليكم في الدين من حرج » يكشف اللثام عن وجه العدول من الطهارة المائية إلى
الطهارة الترابية.
كما دلت الآيات القرآنية
على استثنائه سبحانه طوائف ثلاث من الحضور
1 ـ البقرة : 282.
2 ـ المائدة : 6.
(30)
في ساحات الجهاد لأجل الحرج ، قال سبحانه :
« لَيْسَ عَلَى الأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى
الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلى الْمَريضِ حَرَج » . (1)
وفي آية أُخرى يُبيِّن
بوضوح أنّ تشريعه خال من الحرج ، ويقول : « ما جَعلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج »
(2). فكلّ حكم يتضمن الحرج فهو مرفوض بحكم أنّه حرجي ، وقد أخبر
سبحانه عن عدم تشريع الحكم الذي في امتثاله حرج.
9. لقد شملت العناية
الإلهية الأُمةَ الإسلامية من بين سائر الأُمم برفع النسيان والخطأ عنهم
وعدم الموَاخذة عليهما ، في حين كانت الأُمم السالفة مسؤولة عن خَطاها
ونسيانها إذا كانت مقصِّرة في مبادئ الخطأ والنسيان ، يقول سبحانه :
« رَبّنا لا تُوَاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ
أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ
وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِر لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَولانا فَانصُرْنا عَلى
القَومِ الكافِرين » . (3)
روى الكليني عن النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) انّه
قال : « إنّ هذا الدين متين ، فاوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة اللّه إلى عباد
اللّه ، فتكونوا كالراكب المنبتِّ الَّذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى » . (4)
فما أروع هذا التشبيه حيث إنّ الراكب المنبتِّ وإن كان يعدو بفرسه أميالاً عديدة بغية الوصول إلى غايته ، ولكنه بفعله هذا يُنتج
عكس المطلوب حيث إنّ المركوب يُعْييه التعبُ ولا يكون بمقدوره الاستمرار في
العدو ، ويبقى هو في وسط الطريق لا يهتدي إلى بغيته ، فهو لا سفراً قطع ولا ظهراً
أبقى.
1 ـ الفتح : 17.
2 ـ الحج : 78.
3 ـ البقرة : 286.
4 ـ الكافي : 2/86.
 |
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس |
 |